حاجيات صغيرة .. تشرب المطر

قياسي

la_sedia_di_nessuno__by_boing_boing

(1)

أفتِّش عن طائرٍ ميت

اختار نافذةً في مدرسةٍ مختنقة

وقرر أن يبني عشه الصغير بين زجاجتين

العصفور مات قبل أن ينام على القش

هكذا رأيتُه ، واقفًا يبتسم مثل ملكِ فقد جناحيه

أردتُ أن ألتقط له صورة

ثمّ عدلتُ ، أحزان العصافير ليست ” تذكارًا ” نحولها إلى ميداليات معلقة على أطراف حقائبنا ..

أو مفاتيح تذكرنا برحيلهم كلَّما قعقعت بين اصبعين

هل يحتاج الرحيل إلى تذكارٍ أيها الرفاق؟

كنتُ أحتاج لعصفور ميتٍ كي أكتب !.


.

(2)

لقد علمني الوداع .. كيف أثرثر دون أن أقول شيئًا !.

.

.

(3)

أحتاج لإحساسٍ والله ، أحتاج لدموعٍ وحزن وموت ومطر وضجيج أطفالٍ يجهلون رحيل أمهاتهم !.

أحتاج إلى دفاتر بيضاء ، تلمسها أصابعي وتلعق الملح المتناثر عليها ، أحتاج إلى ملحٍ أخزنه في عينيّ .. لأبكي ، لأبكي مثل ما كنتُ أبكي عندما يفجر أخي بالونة تافهة أمام وجهي !.

أحتاج لحزن ، أي حزن .. بحجم المجرات ، بحجم أنشودة المطر ، وأمراض السياب !.

أحتاج لحزن شفافٍ تُمطره السماء وتُفجِّره الأرض أحبارًا ، لأعلِّمه الطيران وأعلِّق رسائلي على أطراف أصابعه كي يسلِّمها للغيوم الصامتة ..

أحتاج لحزنِ يشرب المطر ، ولا يقتات تراب الأرض  !!.

.

.

(4)

ماذا تحمل حياتكِ أكثر من سكرةٍ مستهلَكة وبيضٍ لزج ؟

فلماذا تصرُّين على البقاء أيُّتها النملة !

لماذا تحاربين الموت ، وتشردين من أحذية المارة وتتعلقين بالحياة ؟

لديّ رداءٌ للصلاة ، ومصاحف كثيرة ، وكوكبٌ كبير .. كبير يدعوني لأن أحبَّ الله أكثر كلما تأمَّلتُه !

لديَّ أصدقاء ، ومدونةٌ مجانيّة ، ومشاريع مؤجلة ، وفستقٌ محمَّص ، وأساور رخيصة ، وفلسفةٌ أحجب بها الشمس عن عقلي كي لا يرى سواي !.

أحبُّ الحياة لأنَّ القبور  تمنعني من الثرثرة ، ولأنني سوف أكون وحيدةُ حين أموت ، لا يقاسمني المكان الضيق إلاَّ عملي ، وهو عليلٌ .. عليل ، لا يمنع عني نوائب القبر !

وأنتِ ، أيتها السوداء الحقيرة ، لماذا تفضلين الحياة ؟

هل تهتمين بالحفاظ على سلالة النمل ؟

إنَّ عدد ما في منزلنا من نملٍ يفوق عدد ما في الكون من بشر ، فكيف تخشين على سلالتكِ الانقراض ؟

إنكم تخرجون لتبحثون عن السكر .. وتأكلون السكر كي تصبح لديكم القوة الكافية للبحث عنه .. هكذا ، دون حتَّى أن ترفعوا رؤوسكم إلى السماء وتضاحكوا سحابةً حزينة !

لكنَّكم تشعرون بالانتماء العميق إلى الـ ” أنا ” التي تجمعكم على قطعة حلوى .. هل تحبون الحياة لأنها تمنحكم هذا الانتماء ؟

ليتَ تلك الحياة تمنحني مثلها !

.

.

(5)

كنتُ أشتاق لمثل هذا !.

مطر

مطر

مطر

.

.

الإعلان

8 responses »

  1. أسطرٌ ممزوجة بحُزنٍ عميق !
    أحسستُ وأنا أتنّقل بين السطور بشعورٍ لاأدري كنهه !

    إحسان : رائعٌ ومريرٌ ماكَتبتِ ..

    دُمتِّ بفرح !

  2. إحسان، هذا هو الجانب العقلاني من الإنسان يظهر في تدوينتك. إنه الجانب الذي يمثلنا و لكننا نختبئ وراءه.

    لقد أمطرتِ غيثا يغسل النفوس الحزينة و ينقّيها من كثير من الدنس.

    دمتِ نقيّة كالمطر.

  3. لا أقوى مجاراة قلمك الأدبي ولا حتى المحاولة
    سأكتفي برجاء , وهو أن تكتبي المزيد قبل أن تنتهي فترة الإمتحانات ,أنتِ رائعة بكل وقت ولكن تزدادين روعة في هذه الفترة : )

  4. وأنا أقرا تدوينتك هذه كنت أتراءى السياب في كل سطر..ولا أدري هل تمتلك الجينات “حذاءا مطاطيا” لتقفز به من العراق شمالا حتى تستقر بلوحة مفاتيح فتاة من أقصى جنوب الجزيرة ..!

  5. أتعرفين ؟
    أحيانا يخيّل إلينا أن الحزن هو الأقرب لأنه يستنزف الداخل ويجعلنا نلتحم مع دواخلنا بشكل أكبر ، يعمينا عن كل الوجود إلا عن الألم الذي يخفق داخلنا ، لذلك ربما نستجديه لنلتحم بذواتنا ونعاود التعرف عليها من جديد .

    أحيانا الحزن يمنحنا الإشفاق على الحزين وحينما نكون ذلك الشخص نشفق على أنفسنا فنقترب منها أكثر .

    وإلا فالحزن ليس إلا حالة طارئة .

    بينما الفرح يهبنا الخروج من ذواتنا لنفرح مع غيرنا ، لنزجي الحمد لله ، إننا نخرج عن الداخل نريد أن نعلي في الكون أننا في فرح عظيم تعجز الكلمات عن تشكيله .

    الحزن الإنكفاء على الداخل
    الفرح الإنتشاء والإعلان للخارج .

    والفرح ينبع من الداخل أيضا مثل الحزن ، لكن الحزن لا يتجاوز صداه هذه النفس بينما الفرح يرحل بعيدا وكأن الكون كله مساحة بيضاء بريشة ألوان الفرح تتشكل أحلى اللوحات .

    ينبغي أن نفرح 🙂

    جميل ما قرأت هنا لولا اللغة المشبعة بالحزن .

  6. رائعة بصدق إحسان..

    رافقتني كلماتك في تيار الحزن الذي يجرفني اليوم بعنف..

    شكراً لقلمك

  7. إحسان، يا حبيبة، ثلاثُ سنواتٍ أقرؤكِ بذاتِ الحُزن، بذاتِ الرِّبَاط المُقَدِّس الذي تحملهُ روحك، بذاتِ الأدبِ الرفيع ..

    لقلبكِ الوردات
    كوني بخير، دومًا

    أختك .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s