خلعتِ الفتيات أحذيتهنّ باستهتار ليسرن تحت المطر حافيات الأقدام .. يقفزن بسعادة ، يصرخن ويلعبن الكرة والتزلّج على الماء ثمّ يرفعن وجوههنّ بشقاوةٍ إلى السماء : يا رب زوّج كل البنات الموجودات هنا !
الغيوم السوداء ، أحاديث الآخرين عن السيول والعواصف ، الغرق ، الحزن ولجنة الأرصاد الجويّة ، تنبيه الآباء والأمهات .. كلّ ذلك لم يمنع فتيات – ناضجات – من الاغتسال بالمطر ومقاسمة الضحكات مع قطراته المستعجلة !
ذهبتُ للحديث مع صديقتي عند الباب الخارجي ، هناك وقفت امرأةٌ ترتدي عباءة رأس تقول بصوتٍ عالٍ جدًا :
” قولوا للبنات يرجعوا بيوتهم .. بدال اللعب والصراخ .. ما أحد يعرف إذا هذا مطر عذاب ولا مطر رحمة !!! “
ولم أكن أعرف – قبل أن أسمع حديثها – بأنّ هناك مطر عذاب ، لقد كان المطر دومًا بسمات السماء المتساقطة على الأرض ، ثمّ أفسد البشر الأرض بأيديهم حتّى فقدت قوتها لاحتضان المطر ، ها هم الآن يرفضون هدية السماء ويعلنون بأنّها غضب الله على عباده !
يا سيدتي ، لم يكن المطر في أيّ موسوعة جغرافية ولا تاريخية عذابٌ من الله ، وهذا ما أخبرني به ربي في كتابه ، لقد وصف بدقّةٍ كيف يجزي سحابًا ثمّ يجعله ركامًا فنرى الودق يخرج من خلاله ، لقد ذكر بأنّه يمنح ” نعمة ” المطر لمن يشاء ويمنعها عمّن يشاء ، ولم يخبرنا أبدًا بأنّه عذّب أقوامًا بالمطر !
.
.
الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرًا ، صعدتُ السيارة عائدةٌ إلى منزلي وسعيدة بأنّني سوف أصل في وقتٍ باكر ، ما حدث هوَ أنّني وصلتُ في الساعة الثانية والنصف ظهرًا ، وكأنّي قطعتُ مسافةً من جدَّة إلى مكّة المكّرمة !
الأمطار لا تقتل أحدًا ولا تفعل أشياء سيّئة ، الفساد بجميع أشكاله هو من يفعل ذلك ، ولأنَّ النّاس لم تنسَ كيف قتل الفساد المئات من الأبرياء في العام المنصرم ، أصابها الذعر والهلع من المطر ، الجميع يريد أن يصل إلى مأواه في أسرع وقتٍ ممكن ، الطرق تعطلت والناس ” أخلاقها في خشمها ” ، سائقوا السيارات يسبّون ويلعنون بعضهم البعض ، توقفنا عند تقاطع شارعين قرابة النصف الساعة ، فالسيارات تداخلت في بعضها حتّى أنَّ سيارة واحدة لم تعد قادرة على السير ، تذكّرتُ حينها ” ساهر ” وتساءلتُ هل تستطيع التقنية وحدها تنظيم حركة المرور ؟ أين رجال المرور بربّك ؟
ترجّل بعض المتطوعين من سياراتهم محاولين تنظيم السير ، سائقوا السيارات يتصرفون بأنانية وحمق ، ولأوّل مرّة لم أستطع أن ألقيَ اللوم على أشخاصٍ يفعلون ذلك ..
….. كنتُ أفكر في أنّ الشعوب الَّتي تخاف من المطر لا يمكن لها أن تبني حضارة أبدًا !