في علم البرمجيات ، الثوابت هي مجموعة من القيم التي تعرّفها قبل البدء بالتطبيق أو الدالّة لاستخدامها في المشروع .
في علم البرمجيّات ، لا يمكن تغيير هذه الثوابت خلال سير التطبيق مطلقًا ، لأنّك اخترتَ لها منذ البدء أن تكون ” ثوابت ” .

.
.
والثوابت – لدى البشر – ليست أكثر من بيوتٍ مؤقتّة ، يسكنونها لفترة من الزمن .. يحتمون بجدرانها ويزينونها للأقرباء والغرباء ، فالناس تتفاخر بالثوابت الأكثر أناقة !
لكنّ النّاس أيضًا تغيّر منازلها لأخرى ” أكثر اتسّاعًا ” بين فترةٍ وأخرى ، وتتحول الثوابت إلى أطلالٍ يبكي أمامها البعض ، ويتنساها الغالبية ، من الَّذي سيفكر بمنزلٍ قديم كان يحوّطه بجدرانٍ سميكة ؟!
العقيدة يمكن أن تصبح مظهرًا وثنيًا سرقناه من ثقافة فرعونية ، وعذاب القبر ليس أكثر من كذبةٍ أراد مشايخ التهويل والترهيب إخضاع إراداتنا بها لسببٍ لم أفهمه !
الحلال يمكن أن يصبح حرامًا – هكذا فجأة – بفتوى اكتفت بعلامات الترقيم من السؤال ، دون أن تقرأ السؤال !
الحرام يمكن أن يصبح حلالاً – بالتدريج – لأنّ أحدهم لم يجد فيه بأسًا ولا حكمةً من التحريم ، والبشر عقلاء بما يكفي ليقرروا عن الله الحكمة من تشريعاته ، ولا يمكن لله أن يخالف فلسفة البشر وعقولهم !
الله حرّم على النساء نمص الحواجب ؟
ما هذا الإله الَّذي يحاسب النساء الضعيفات على شعيرات حواجبهنّ – يا جماعة قولوا كلام بالمنطق – !
الله أمر المرأة بالستر ؟
الله يحبّ الجمال ، والاحتشام ” بالبنطلون ” كافٍ لحفظ المجتمع من الرذيلة !
الحجاب مختلفٌ فيه ، أمّا النقاب فتقليعةٌ يهوديةٌ قديمة !!
لا يُوجد ثوابت لدى البشر ، فهم يتفاخرون بالتغيير كما يتفاخرون بملابسهم الجديدة ، والثعابين تغيّر جلدها سنويًا لأنّه يصبح غير قابلٍ للاستخدام ، لكنّ البشر قد يغيّرون جلودهم لأنّها ” الموضة ” .
والتغيير قد يصبح موضةً أيضًا ، وهو موضة هذا العقد من الزمن ، فكلّ شيءٍ يجب أن يتغير بدءًا من أسماء المواليد ، وانتهاءًا بالقبور الَّتي لا تعذّب أحدًا !
وبالنسبة لشعبٍ منكوسٍ على عقبِيه ، تصبح موضة التغيير هوسًا يشبه هوَس المراهقات بالأجساد النحيلة ، فكلّ مبدئٍ يصبح عرضةً للنحول والطيران في الهواء ، والبشر الذين لم يقفوا يومًا على أرضٍ صلبة يستحيل عليهم ملاحظة أنَّهم يخسرون بذلك كلَّ شيء !
.
.
أعرف بأنّ الرغبة بالتغيير هو ردّة الفعل الفطريّة على التخلّف والإحباط ، وفي مجتمعٍ كنحن ، يصبح التبلّد سلوكًا حيوانيًا وذليلاً ، التغيير مطلوب جدًا .. لكنّ الأمر يستدعي منّا سؤالاً مثل : لماذا نتغيّر ؟
ليس كلّ تقدمٍ إلى الأمام هو تقدّم إلى الحضارة ، بعض مقومات الحضارة تحتاج منّا إلى الرجوع إلى الخلف ، وبعضها يحتاج إلى الثبات على ما نحن عليه ، ومهما بلغت المجتمعات الإسلامية من الإنحطاط والتخلّف فإنّها تحتاج إلى قاعدتها العقائدية والدينية والأخلاقيّة ” الأصيلة ” لمشروع النهضة الحضارية .
كثيرًا ما تخسر المجتمعات المريضة حياتها حين تخلط بين العضو السليم والعضو المريض فتبتر كليهما ، والأسوأ حين تعتقد بأنّ ” قلبها ” يحتاج إلى استئصال واستبدال بقلبٍ مستورد من الخارج – مصطلح الإسلام الجديد على سبيل المثال – !
لغة المفكرين والمثقفين الحاليّة هي لغة التغيير ، وأيّ عبارةٍ ” قديمة ” تتفوه بها فسوف تكون لعنةً عليك حتى لو كانت عبارةً صحيحة ، يراودنا الشكّ في كلّ ما حولنا لأنّنا نعرف كم عشنا ماضيًا مظلمًا ، فتُدان الأفكار مهما صلحت – فقط – لأنّها كانت سائدة في الماضي .
أصبحنا نخجل من قول عبارات مثل : هذا حرام لا يجوز ، لأنّ ” التغيير ” طالبنا بإعادة النظر حول الأحكام المختلف فيها – الموسيقى على سبيل المثال – وهذا أمرٌ صائب ، لكنّ الخطأ هو أنّ ” هوس التغيير ” دفعنا إلى استنكار نصيحة الآخرين بشأن المحرّم قطعاً واعتبار هذه النصيحة خطابًا قديمًا و” قشريّ ” كان من المفترض إزالته لعيون النهضة !
الوعظ الديني والمحاضرات الدعوية نالها هذا الهوس أيضًا ، فكلمة ” وعظ ” أصبحت مُدانة لا يجرؤ أحدٌ على الدعوة إليها ، رغم حاجة المسلمين إليه في العصور المنيرة أوالمظلمة للحضارة الإسلاميّة ، لكنّ الرغبة في تغيير بعض أساليب الدعاة المغالية حمّلتنا على رفض جميع هذه المحاضرات والنظر إلى الداعي إليها على أنّه ” صحوي متأخر ” !
نصل هنا إلى نقطةٍ مهمّة ، وهي أنّنا قد نحتاج إلى إحداث تغيير في جزءٍ من فكرةٍ أو سلوكٍ معين ، لكنّ الخطأ الفظيع الَّذي نقع فيه هو انتزاعنا ورفضنا لهذا السلوك كليّةً حتّى لو كان أكثره صواب وقليله خطأ !
نحتاج جدًا إلى الوقوف أمام المتغيرات الجديدة الَّتي تطرؤ على أفكارنا وحياتنا : هل يحتاج الأمر حقًا إلى التغيير ؟ أم أنّ بقاءه على ما هوَ عليه سوف يكون أفضل لنا .. هل الفكرة بحدّ ذاتها تحتاج إلى انتزاع ، أم تحتاج إلى بعض التغيير لا أكثر ؟
.
.
أخيرًا .. أحبّ التركيز على أنّ هذا المقال تناول فقط الجزء الفارغ من كأس التغيير .. من باب التغيير !