الآية (٨) سورة طه – آية ٧٢

قياسي

ما حجم ما نؤثر الله عليه ؟

إنّ حجم ما تؤثر الله عليه هو ما يُحدّد إيمانك ، لذلك كان الأنبياء هم أشدّ النّاس ابتلاءًا ، فإبراهيم عليه السلام آثر الله عزّ وجلّ على أباه ثمّ على ابنه ، ونوحٌ عليه السلام آثر الله على امرأته وابنه ، وموسى عليه السلام آثر الله على من تبنّاه وربّاه وأدخله في نعيمه ، ثمّ محمّد عليه أفضل الصلاة والسلام آثر الله على عمّه وعشيرته ووطنه وأرحامه .. آثر الله على الملك الذي وعده به قومه وعلى ” الاستقرار المزيّف ” والوحدة الاجتماعيّة الظاهرة لوطنه  .

أمّا سحرة فرعون فشأنهم مع الله عجيب ، لحظة الإيمان الّتي عبّر الله عنها بقوله : ” فألقيَ السحرة سجّدا “ تُوحي لي وكأنّ جبلاً ظهر فجأة في أرواحهم فألقاها ساجدة لله كافرة بغيره . إنّ قصّة إيمانهم مهيبة لي أكثر من أيّ قصّة إيمان أخرى ، لأنّ تفسيرها النفسي معجزٌ بحق ! كيف يتحوّل الإنسان في لحظة من ناصر للطاغوت إلى مسلم لله ، كيف يتّبع دين موسى وهو لا يعرف نتائج هذا الاتّباع وتفاصيل هذه العقيدة .

ذلك يذكّرني بأولئك الذين يؤمنون بالله ويختارون سبيله لحظة سماعهم أو رؤيتهم أو إحساسهم بآية من آياته ، حيث تجتمع هداية الله مع فطرة حيّة في صدورهم فينبعث الحقّ ويعرفونه ويتمسّكون به ولا يؤثرون عليه أحدا .

الذين لا يعرفون عن الله ما نعرفه ، لكنّهم يعرفونه أعمق وأصدق ممّا نعرفه ، لم يقرؤوا قرآنه ولا حفظوا أسماءه الحسنى ولا فهموا أحكامه وأوامره ونواهيه ومع ذلك يتمسّكون بحبله أكثر ممّا نفعل نحن .. هي الفطرة المتحرّرة من أيّ غشاء دنيوي .

.

.

” قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات والّذي فطرنا “ .. آثروا الله عزّ وجلّ على فرعون ، لا على فرعون الشخص بل على فرعون الفكرة الطاغوتية ، على المتجبّر الّذي ادّعى الألوهيّة واستعبد عقول النّاس وأرواحهم وأفكارهم فقال ما أريكم إلاّ ما أرى ، آثروا الله على تاريخ فرعوني طويل ألفوه واعتادوه ، ولمّا هدّدهم فرعون وأمرهم بالتراجع واتّهمهم بالمعرفة السابقة لموسى ، آثروا الله على النجاة من العذاب وعلى أيديهم وأرجلهم الّتي هددهم بقطعها  .. ثمّ آثروا الله – أخيرًا – على أرواحهم وحياتهم واستسهلوا صلبهم في سبيل الله .

نحن أحرارٌ من عبوديتك يا فرعون فماذا تصنع بنا ؟ إنّ كلّ ما تملكه أن تقضِ في حدود هذه الدنيا ، لكنّك لا تملك أمر خلودنا وحياتنا الآخرة ، لا تملك لنا نعيمًا أبديًا أو تعاسة أبديّة ، فاقضِ ما أنت قاض ، أحبّ هذا الجزء من الآية .. أحبّ قراءته ومدّ حرف الألف في ” قاض” لأشعر بمدى إيثار السحرة لله عزّ وجلّ على كلّ ما سيصنعه فرعون ، وأحبّ أن أتمّ الآية بلهجة ساخرة ممّا صنعه بهم وأنا أفكّر في مصيره ومصيرهم بعد أكثر من ٢٠٠٠ سنة على رحيلهم .

اللهمّ اجعلنا في منزلة سحرة فرعون ، وارزقنا قلوبًا صادقة مؤمنة لا تؤثر عليك أحدا ، اللهمّ ثبّتنا عند الابتلاء ولا تحرمنا نعيمك الخالد  .

تعليق واحد »

  1. ذلك أنهم بعلمهم للسحر، علموا أن ما فعله موسى لا يمكن أن يفعله ساحر. فما ترددوا لحظة باتباعه و الإيمان به. ثم إن ثبات موسى و إيمانه و ثقته بالله عز وجل، زعزعت وحدتهم و ما كانوا قد آمنوا به “قال لهم موسى و يلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب و قد خاب من افترى”، ثم إن سيرة موسى التي علموها قبل نبوته، من إحقاق للحق و نصرة للمظلوم، جعلتهم يؤمنون بأنه رسول من عند الله، و يؤثرون اتباعه على اتباع فرعون و طغيانه، و ما ترددوا بذلك لحظة واحدة.
    ,,,

    أحسنت إحسان بارك الله فيك، أعجبني ما كتبته اليوم و ما كتبته في آية سورة التوبة.
    جزاك الله خيراً

  2. جزاك الله خيراً وبارك بك.. واستجاب الله ما دعوت، وآتاك ما قصدت..
    الله اجعل إيماننا كإيمان مؤمني سحرة آل فرعون، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه..

أضف تعليق