تحدّي الـ ١٠٠٠٠ صفحة .. من جديد

قياسي

تحديث :

ظروف كثيرة ألمّت بي، أصبحت قراءتي ميّتة بسببها ولم أعد أعي ما أقرؤه، لذلك قطعتُ التحدّي ولا أظنّ بأنّي عائدة

قبل أكثر من عام قمتُ خلال ٣ أشهر و١٠ أيّام بتنفيذ تحدّي يتطلّب منّي قراءة ١٠٠ صفحة خلال ١٠٠ يوم أي ما يعادل ١٠٠٠٠ صفحة في ٣ أشهر و١٠ أيّام !

خرجت من التحدّي وقد قرأت ٨٠٠٠ صفحة خلال هذه المدّة الزمنيّة – مش بطّال يعني :$ – !

اليوم أعلن تكراري من جديد لهذا التحدّي 🙂 لقد كانت أيّامًا جميلة جدًا جدًا اشتقت لها :$ سأعود كذلك إلى كتابة اقتباسات وآراء حول الكتب الّتي أقرأها في ذلك الحساب القديم في تويتر .. حساب الـ ١٠ آلاف صفحة !

روابط :

تحدّي الـ ١٠٠٠٠ آلاف صفحة !

١٠٠ * ١٠٠ = ؟

حساب التحدّي على موقع تويتر

أماكن شاغرة في الجنّة ..

قياسي

إلى  A W  :

فليغفر الله لي حياتكِ .. وليغفر لي مماتكِ

.

.

عندما شاهدتُ فيديو الحفل الأخير لكِ ، بكيتُ كثيرًا ، ولربّما بكا معي في نفس اليوم آلاف من المعجبين الذين كانوا يصرخون بنشوة كلّما تحرّكت بتثاقل على المسرح ، لكنّهم كانوا يبكون رحيل فتاة عرفوها ، أمّا أنا التي لم تعرفكِ أبدًا .. فقد كنتُ أبكي نفسي !

ما زلتُ أحفظ تفاصيل حزنك ذاك ، وجهك الذي لم يحاول إنقاذه أحدٌ منّا ، ذراعك المتخم بالوشم وبإبر المخدرات القذرة ، تلمسينه بيأس أسقطني خائرة المعنى ، صوتكِ الذي عرفتُ عند سماعه بأنّ الأفواه قد تدمع أحيانًا ، قال أحدهم معلّقًا عليه : لقد أجبروها على الصعود إلى المسرح من أجل مصالحهم الخاصّة .. هي لم تكن تريد الغناء !

رأيتكِ يوم القيامة ، تجرّين برقبتي إلى النار ، وخلفكِ ملايين التعساء في العالم ، رفاق المخدّرات والشياطين واليأس والأزقّة القذرة ، سمعتُ صوتكِ ذاته يخاصمني عند الله : يا رب .. لقد عاشت هذه الفتاة حياة سعيدة ، مسلمةً تعرفك وتعرف نبيّك وكتابك ، لم تجرّب المخدرات ولا حياة العهر والجوع الروحيّ ، يا رب .. لقد أتحت لها وسائل للاتصال مع الآخرين لا تنفد ، وعلّمتها كيف تتحدث بلساننا ، ويسّرت لها الهداية والاستقامة ، لكنّها لم تأت لمساعدتي أبدًا ، لقد تركتني أعيش حياة حقيرة ، وأموت وحيدةً في شقتي .. موتة حقيرة !

لقد لعنك الناس بعد موتكِ ، قالوا بأنّك عاهرة تستحقّ الموت وسخروا من ظهورك مترنّحة تحت تأثير المخدرات أمام الملايين ،  لم يفكّروا بأنّ الله ابتلاهم بكِ ، وأنّ الذي رزقهم الهداية والاطمئنان قادر على قلب صدورهم في طرفة عين ليتحولوا إلى مدمني مخدرات أو حتّى إلى قطّاع طرق !

وقف أحدهم معرّيًا الإنسانية وأبكاها حين قال : كان الأمر حزينًا جدًا ، ويجب أن تخجلوا من أنفسكم حين تتخذون من هذه الفتاة مصدرا للسخرية ، لقد كانت بحاجّة حقيقية إلى المساعدة ، لم تكن تريد الصعود إلى المسرح لكنّهم دفعوها إلى ذلك دفعًا ، هل يمكنكم تصوّر كم كانت محرجة بعد عرض هذا الفيديو ؟ إنّ ذلك على الأرجح هو ما قادها إلى الموت !

وقال آخر : لقد كانت تستجدي المساعدة لكنّ أحدًا لم ينتبه إلى ذلك ، والآن أصبح الوقت متأخرًا جدًا !

. Read the rest of this entry

حجاب الشرّ !

قياسي

– هل يحرّم الله شيئًا جميلاً يا صديقتي ؟
– نعم أعتقد بأنّ الله يحرّم أشياء جميلة، لأنّ الإنسان مخلوق أعقد بكثير من أن يحكمه معيار واحد فقط !

.

.

ليس من عادتي أن أحاسب الآخرين عن أفكارهم ومبادئهم بل أعتبر نفسي متطفّلة متى ما فعلتُ ذلك ، لكنّ نزعتي الفلسفيّة تقودني دائمًا إلى التأمّل بصمت في أسلوبهم الخاصّ ودوافعهم الداخليّة وتاريخهم الفكري الذي يتفرّد عند كلّ إنسان ، لذلك عندما كنتُ أشاهد “برومو” لأحد البرامج الشبابية الجديدة الهادفة والّذي بدأ عرضه في إحدى القنوات الإسلاميّة ، كنتُ أتأمّل في ( إنسان ) البرنامج أكثر ممّا أتأمّل في أيّ شيء آخر ، ولربّما يُعاب عليّ هذا لأنّ العقول الصغيرة تناقش الأشخاص بينما تختار العقول الكبيرة الأفكار ، لكنّي تعلّمتُ بأنّ الإنسان يبدو عند النظر إليه من إحدى الزوايا أهمّ من الأفكار المجرّدة بكثير .

لفت انتباهي في هذا البرنامج أسلوب اختيار الفتيات للحجاب ، إيشاربات ملوّنة وجميلة حدّ الإبهار صُمّمت بطريقة جديدة غير مألوفة تعطيك انطباعًا بأنّ ما يرتدينه لا يختلف عن أيّ لباس مؤدّب آخر سوى في مسألة غطاء الشعر ، إضافة إلى الإكسسوارات والقمصان الجذابة والميك آب ” الخفيف ” ، تذكّرتُ حينها مقولة مستهلكة كنتُ أسمعها في الثانوية : ” إنّه حجابٌ جميل إلى درجة أنّه يحتاج إلى حجاب ” !

لربّما يصفني البعض بالسطحية والشخصنة ، ولربّما يدعوني إلى متابعة حلقات البرنامج ومناقشة ما يُطرح فيه عوضًا عن محاسبة الفتيات على اختياراتهنّ الشخصيّة ، أنا لا أحاسب أحدًا .. كما أنّ نمط البرنامج الشبابي لا يناسبني ، المسألة أنّي أتأمّل بدهشة ممزوجة بالحيرة كيف تُهدم قناعاتنا التي آمنّا بها لسنين في لحظات بسيطة .. كيف تتلاشى المفاهيم وتتغيّر المعايير تدريجيًا عن وعيٍ منّا ، لقد كنّا نعتقد بأنّ غطاء الوجه فرض عينٍ ثمّ اكتشفنا بأنّ العلماء اختلفوا في ذلك فمنهم من حرّم كشف الوجه ومنهم من أباحه ، ثمّ اكتشفنا رأيًا جديدًا يجرّم غطاء الوجه ويضعه في دائرة العادات البالية بعد أن كان رأيًا فقهيًا ، والآن .. الآن أنا أشاهد فتيات متديّنات وواعيات يؤمنّ بالزيّ المحتشم وبغطاء الشعر ويكفرن بكلّ ما دون ذلك !

إنّ التغيير المتسارع والإنفتاح الذي نتحوّل إليه أمرٌ غير ممتع دائمًا ، بل أجده يأخذ بتلابيب النفس أحيانًا إلى الجنون والحيرة – مثلما يفعل بي الآن – لستُ فتاة متشدّدة ولكنّي باحثة عن التوازن مثل كثيرين غيري ، وما يصير إليه الأمر الآن ليس توازنًا أبدًا .. فنحن نختار المضيّ إلى المباح والأسهل ولم نتوقّف للحظة !

ما يخيفني بحقّ هو بديهيّة أنّ النفس تميل إلى ( المباح ) .. ألا يفسّر هذا لنا أنّ الكثير ممّا نعتقده حكم العقل فنبيحه على أنفسنا هو بالأصحّ حكم الهوى الذي أراد ذلك ؟ ثمّ ما هي المسافة التي تفصل بين العقل والهوى ؟ كيف يمايز الإنسان بينهما إذا كان سيختار ما يراه مباحًا دائمًا ؟

الحجاب بالذات هو أكثر ما يقلقني هنا ، ليس لأنّه يعبّر عن الهويّة الدينية  فحسب ، ولكن لأنّ التساهل فيه يقع في هوى المرأة التي تحبّ غريزيًا أن تبدو جميلة أمام الجميع وفي هوى الرجل الذي يستلذّ بهذا الجمال وكذلك في الأخلاقيّات الّتي تتحدّث ببداهة عن وجوب احتشام المرأة مع الإبقاء على هويتها المتمثّلة في وجهها وفي اختيارها الشخصيّ لما ترتديه ، وبين كلّ هذا يضيع التشريع الدينيّ !

.

.

لذّة الجهاد

إنّ الإنسان حين يتعود الاستجابة للمباح يفقد لذّة جهاده نفسه ، إنّنا نفقد متعة المقاومة والمصابرة حين نضع مبدئ ( الأصل في العادات الإباحة ) قبل مبدئ ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) .

ليس مطلوبًا أن تفعل كلّ ما تراه مباحًا مهما كان اقتناعك به ، شيء من المقاومة مطلوبًا لأن نكون مسلمين أو على أقلّ تقدير لأن نكون صادقين مع الله ! هذا الدين الّذي يبحث عن توازن الطين والروح في الإنسان يتحوّل دائمًا إلى أداة لتغليب أحدهما على الآخر مع الأسف ، والإنسان أسير هواه أينما سيّره سار إليه ما لم يضع حذره .

يتخيّر مسلم اليوم – وأنا داخلة في هذا الإطار دون شك – ما يعجبه من التشريعات وينتقي ما يشاء انتقاءًا ، وهو يرفض أن يتمّ انتقاده أو نصحه لأنّ مبادئ الحرّيّة الشخصية ورفض الوصاية قد طغت على تفكير الجميع ، المرير في الأمر أن الشيطان يخدعه فيعتقد بأنّ ما يفعله طبيعي إذ أنّ في كلّ إنسان معصية وطاعة ، وينسى بأنّ روح المعاصي والطاعات هو في الجهاد المقدّس للنفس وأنّ ما يفعله حقيقة هو اتّباع للطاعة الجميلة فقط واندفاع للمعصية اللذيذة .

.

.

على الهامش :

اخترتُ العنوان بمساعدة صديقتي نجلاء ،  فللعلماء قول مشهور بأن من أخذ برخص كل العلماء اجتمع فيه الشر وهذا حجابٌ يأخذ بكلّ الرخص .

الآية (٨) سورة طه – آية ٧٢

قياسي

ما حجم ما نؤثر الله عليه ؟

إنّ حجم ما تؤثر الله عليه هو ما يُحدّد إيمانك ، لذلك كان الأنبياء هم أشدّ النّاس ابتلاءًا ، فإبراهيم عليه السلام آثر الله عزّ وجلّ على أباه ثمّ على ابنه ، ونوحٌ عليه السلام آثر الله على امرأته وابنه ، وموسى عليه السلام آثر الله على من تبنّاه وربّاه وأدخله في نعيمه ، ثمّ محمّد عليه أفضل الصلاة والسلام آثر الله على عمّه وعشيرته ووطنه وأرحامه .. آثر الله على الملك الذي وعده به قومه وعلى ” الاستقرار المزيّف ” والوحدة الاجتماعيّة الظاهرة لوطنه  .

أمّا سحرة فرعون فشأنهم مع الله عجيب ، لحظة الإيمان الّتي عبّر الله عنها بقوله : ” فألقيَ السحرة سجّدا “ تُوحي لي وكأنّ جبلاً ظهر فجأة في أرواحهم فألقاها ساجدة لله كافرة بغيره . إنّ قصّة إيمانهم مهيبة لي أكثر من أيّ قصّة إيمان أخرى ، لأنّ تفسيرها النفسي معجزٌ بحق ! كيف يتحوّل الإنسان في لحظة من ناصر للطاغوت إلى مسلم لله ، كيف يتّبع دين موسى وهو لا يعرف نتائج هذا الاتّباع وتفاصيل هذه العقيدة .

ذلك يذكّرني بأولئك الذين يؤمنون بالله ويختارون سبيله لحظة سماعهم أو رؤيتهم أو إحساسهم بآية من آياته ، حيث تجتمع هداية الله مع فطرة حيّة في صدورهم فينبعث الحقّ ويعرفونه ويتمسّكون به ولا يؤثرون عليه أحدا .

الذين لا يعرفون عن الله ما نعرفه ، لكنّهم يعرفونه أعمق وأصدق ممّا نعرفه ، لم يقرؤوا قرآنه ولا حفظوا أسماءه الحسنى ولا فهموا أحكامه وأوامره ونواهيه ومع ذلك يتمسّكون بحبله أكثر ممّا نفعل نحن .. هي الفطرة المتحرّرة من أيّ غشاء دنيوي .

.

.

” قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات والّذي فطرنا “ .. آثروا الله عزّ وجلّ على فرعون ، لا على فرعون الشخص بل على فرعون الفكرة الطاغوتية ، على المتجبّر الّذي ادّعى الألوهيّة واستعبد عقول النّاس وأرواحهم وأفكارهم فقال ما أريكم إلاّ ما أرى ، آثروا الله على تاريخ فرعوني طويل ألفوه واعتادوه ، ولمّا هدّدهم فرعون وأمرهم بالتراجع واتّهمهم بالمعرفة السابقة لموسى ، آثروا الله على النجاة من العذاب وعلى أيديهم وأرجلهم الّتي هددهم بقطعها  .. ثمّ آثروا الله – أخيرًا – على أرواحهم وحياتهم واستسهلوا صلبهم في سبيل الله .

نحن أحرارٌ من عبوديتك يا فرعون فماذا تصنع بنا ؟ إنّ كلّ ما تملكه أن تقضِ في حدود هذه الدنيا ، لكنّك لا تملك أمر خلودنا وحياتنا الآخرة ، لا تملك لنا نعيمًا أبديًا أو تعاسة أبديّة ، فاقضِ ما أنت قاض ، أحبّ هذا الجزء من الآية .. أحبّ قراءته ومدّ حرف الألف في ” قاض” لأشعر بمدى إيثار السحرة لله عزّ وجلّ على كلّ ما سيصنعه فرعون ، وأحبّ أن أتمّ الآية بلهجة ساخرة ممّا صنعه بهم وأنا أفكّر في مصيره ومصيرهم بعد أكثر من ٢٠٠٠ سنة على رحيلهم .

اللهمّ اجعلنا في منزلة سحرة فرعون ، وارزقنا قلوبًا صادقة مؤمنة لا تؤثر عليك أحدا ، اللهمّ ثبّتنا عند الابتلاء ولا تحرمنا نعيمك الخالد  .

الآية (٧) سورة التوبة – آية ٦١

قياسي

أتألّم وأنا أقرأ مطلع هذه الآية :  ومنهم الذين يؤذون النبيّ .. أواه كيف يتجرّئ الناس على إيذاء محمّد ؟ فتطوّع لهم ألسنتهم السخرية ممّن هو رحمة لهم وللعالمين ، ثمّ ما هو السبب الذي يدفعهم لذلك ؟ .. يقولون : هو أُذُن ! إنما محمّد أذن سمّاعة ، يصدّقنا مهما أقسمنا له كذبًا . لعمري إنّ هذا ما تفعله الألسنة السوداء بالقلوب البيضاء دومًا ، الاستهزاء متى شعرت بالحقارة والاستصغار أمامها ، أو تحوير الصفة الجميلة إلى صفة وضيعة عند عجزهم عن مجاراتها !

والله عزّ وجلّ يدافع عن نبيّه فيقول : قل هو أذن ، إيه كما أسلفتم أيّها المنافقون ، هو أذنٌ تصدّقكم وإن كذبتم ، لكنّه ” أذن خير ” ، فهو لا يصدّق الآخرين عن غفلة أو سوء تقدير كما زعمتم ، ولكنّه يفعل ذلك لأنّه يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ، وعندما أقرأ هذا يتبدّل الألم إلى سعادة عظيمة ، لتكرر لساني : يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين .. يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين .. يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين .

إذا أسرّت لي صديقة صالحة بأنّها ” تؤمن بي ” ينخلع قلبي سعادة ، لأنّ الإيمان هنا لا يعني التصديق فحسب ، بل هو التصديق ممزوجًا بالحبّ وبالثقة العميقة مهما أخطأتُ ووقعت في الزلل ، فكيف إذا طمأننا الله في علاه بأنّ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم يؤمن للمؤمنين ويثق بهم ؟ أيّ نعمة وفضل يحصل عليها الإنسان أعظم من هذه .. اللهمّ اكتبنا من المؤمنين .

ثمّ إنّ محمّدًا – بالإضافة إلى ذلك – هو رحمة للذين آمنوا منكم ، يقول الشعراوي رحمه الله بأنّ في هذا القول احترام لكلمة الإيمان الّتي أظهرها المنافقون ، وفيه إشارة إلى أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام لا يدّعي العلم بمكنونات القلوب إلاّ ما أخبره الله به ، لذلك هو لا يملك أمام من أظهر الإيمان إلاّ تصديقه في أقواله .

قد يرى البعض في الصفات الإنسانية المتجاوزة عن الآخرين ضعف، لكنّهم يغفلون عن أنّ هذه الصفات تحتاج إلى قوّة أعظم من استعراض العضلات في ما لا ينفع ، كما أنّ الله محاسبنا – كبشر – عن تعاملنا مع ظاهر أفعال النّاس وأقوالهم وإن لعبت بنا الظنون لعبتها ، أو آمنّا بحسّنا العالي وحدسنا في التعرّف على الآخرين .

الآية (٦) سورة آل عمران – آية ٣٥

قياسي

هذه هي الآية السادسة من سلسلة ( ٣٠ آية مع الذكر الحكيم ) والتي انقطعتُ عنها سابقًا وعدتُ لها في رمضان .

الإنجاب .. إحساس قدسيّ ، وهو في أدنى مراتب قدسيته استجابة مجرّدة لفطرة الأمومة والأبوّة التي وقرها الله في صدور البشر ، وهو في أعلاها دعوة خاشعة من امرأة كامرأة عمران إذ قالت : ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرَّرا فتقبّل منّي .

أيّ نذر عظيم هذا ، أيّ استسلام وخضوع لله ، كيف عرفت الله حقّ معرفته وتوكّلت عليه حتّى أنّها سخّرت له أثمن ما لديها دون أن تسرد عليه شروطها الخاصّة ، ليس ذلك فحسب ! لكنّ دعاءها يحمل في باطنه صوتًا لطيفًا يقول يا ربّ ، إنّ ولدي سيكون بخير طالما أنّه لك ، يا ربّ إنّني أثق بأنّك ستحفظه أكثر من حفظي له ، وسترزقه أكثر ممّا سيرزقه أيّ سيّد غيرك يخدمه ، إنّها الأمّ الّتي أحبّت الله فوهبته ابنها طواعية ، وأحبّت ابنها كما لم تفعل ذلك أمّ من قبل فاختارت له الله سيّدًا ووكيلا .

ثمّ كيف كانت استجابة الله لها ؟

١ / فتقبّلها ربّها بقبول حسن  ٢ / وأنبتها نباتًا حسنًا ٣ / وكفّلها زكريا ٤ / كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقا ٥ / قال يا مريم أنّى لك هذا؟ قالت هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب .

تقبّلها بقبول أكثر ممّا تمنته امرأة عمران ، ثمّ ربّاها وأنشأها التربية الحسنة الصالحة ، ثمّ اختار لها أصلح عباده ليكفلها ويرعاها ، ثمّ رزقها من لدنه رزقًا كريمًا ، ثمّ علّمها كيف تشكره وتعترف بفضله عليها وتعيد الأمر كله إليه .

يااااه .. كلّ هذا يصنعه نذر صادق لله ، كيف تفكّر الأمّهات اللواتي يجهّزن فراش الطفل ولباسه وأحذيته وألعابه قبل مولده ولا يفكّرن باختيار سيّده ؟ وقبل هذا .. أيّ فرد ذلك الذي ننتظره من امرأة تنجب لأنّ جميع النّاس يفعلون ذلك ، أو لمجرّد رغبتها باحتضان طفل يناديها ” ماما ” ، التفريخ لمجرّد التفريخ دون التفكير بمصير هذا الجنين كروح وجسد .

لا شيء أعظم من أن يرزقك الله طفلاً .. هل تعلم ماذا يعني أن يهدي الإله ” إنسانًا ” لإنسان ؟ وهل تعتقد بأنّ الأمرّ من البساطة بمكان حيث تنجبه وترعاه ماديًا وتتجاهل مصيره الأخروي ؟ بربّكم يا بشر ! إنّ لكلّ نعمة زكاة .. وزكاة الطفل مرتفعة جدًا بحجم ارتفاع قيمة هذه النعمة ، فكروا بأنّ الله لا بدّ محاسبكم يوم القيامة عمّا قصرتم عن دفعه من الزكاة .

هبوا أبناءكم لخالقهم ، لا أعظم من أن تشكر الله على نعمة البنين بهذه الهبة ، ولا حبّ أكرم وأحنّ تمنحه لأبناءك من أن تسخّرهم لله ، وادعوا لهم .. فبالدعاء والتوكّل والاحتساب يُربّي الأبناء .

الآية ( ٥ ) – سورة النساء آية ١٩

قياسي

 

هل يؤاخذنا الله بما تكنّه قلوبنا ؟

هل يجبرنا على محبّة أزواجنا وجيراننا وأرحامنا وأئمّتنا ؟

يخبرنا الله عزّ وجلّ في هذه الآية بأنّ الحياة يمكن أن تستمرّ بشكل لطيف حتّى لو وُجدت الكراهية .. إنّه ربّ رؤوف بنا حتّى أنّه لا يُحمّلنا ما لا نطيق فيجعل الحبّ – كما تفعل الكتب البشريّة – شرطًا لاستقامة الحياة الزوجية وبناء الأسر السعيدة ، بل يجعل الأمر أكثر بساطة وعمقًا ، فليس مهمًّا إن أحببت زوجتك أو لا ، بل المهمّ بحقّ هو أن تعاشرها بالمعروف وتتقبّلها بإنسانيّة وتبحث عمّا يخفى عليك من جوانبها الجميلة .

قد تريبك هذه الفكرة ، خصوصًا إن كنتَ شخصًا عاطفيًا تفرد للحبّ مكانًا واسعًا ومقدّسًا من حياتك ، لكن أعد النظر إليها بعين واقعية ، ماذا تفعل الزوجة العاجزة عن حبّ زوجها ؟ وماذا يصنع الزوج الذي لا يطيق زوجته ؟ .. إنّ الفكرة السائدة بأنّ الحبّ هو المقوّم الأساسي للأسرّة قد حطّم – برأيي – المعاني الأكثر نبلاً والأعلى قيمة بين الزوجين ، يظنّ الرجل / الفتاة بأنّ قيمة زواجه في قيمة الحبّ الذي يتبادله مع زوجه ، فإذا ما اكتشف بأنّه لا حبّ يربط بينهما تحوّلت حياته إلى جحيم وحاصره الفشل ، ليدخل في مشاكل لا مبرّرات لها وقد ينتهي به الأمر إلى الطلاق أو ينتهي به إلى حياة قاتمة لا روح فيها !

وقد يقول قائل بأنّنا نستطيع تجنّب ذلك بنشر ثقافة الزواج بعد التعارف ، أو بمنح الجنسين فرصة واسعة للاستمرار أو الانفصال بعد الخطوبة ، وأقول بأنّ الواقع يخبرنا بأنّ احتمالية وجود جيزات غير قائمة على الحبّ موجود حتى في أكثر المجتمعات انفتاحًا ، كما أنّ الحبّ الذي يكون غزيرًا في بداية العلاقة قد يتلاشى تدريجيًا حين تكشف العشرة الحقيقية عن جوانب لم نكن نتصوّرها في أزواجنا !

.

.

ذلك الأمر الذي جاء به القرآن : وعاشروهنّ بالمعروف .. يبدو لطيفًا أكثر من الحبّ ذاته ، فالحبّ لذيذ لكنّ التقبّل رغم الكراهية إنسانيّ ، وتتعاظم إنسانيته حين تفكّر بأؤلئك الذين ابتلاهم الله بقلّة حظ في الجمال الداخليّ ، إنّ الله يأمر أزواجهم بأن يكونوا لطفاء معهم حتى لو شعروا بالكراهية تجاههم ، ليس ذلك فحسب .. لكنّه يضيف : فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرا ، وكأنّه يحاول لفت انتبههم بطريقة خفيّة إلى الخير والسعادة والجمال الذي قد لا ينتبه إليه الإنسان في من يكره :”)

الآية (٤) سورة الزخرف – آية ٦٧

قياسي

الأصدقاء أربعة ، صديق يأخذني إلى الله ، وصديق آخذه إلى الله ، وصديق يجمع ما بين هذا وذاك ، أمّا الصديق الرابع فهو الذي يجرّني إلى الدنيا ويأخذني من الله .

قالت لي رقيّة مرّة : كلّ أولئك الذين لا يقرّبونك إلى الله .. اتركيهم ! وفكّرتُ كم أنّها نصيحة قاسية ، لأنّ القليل من أصدقائنا الذّي تضجّ أفئدتنا عاطفة لهم ، وتتحرك ذكرياتنا حنينًا إليهم .. القليل جدًا  منهم يقرّبوننا إلى الله ، أمّا البقيّة فإمّا أن يجرّونا إلى الدنيا أو يتركون أرواحنا جامدة دون حراك !

لكنّني عندما أعود إلى هذه الآية وأتأمّلها ، أفكّر بحجم الهمّ والخوف الذّي ينزل على الناس في حياتهم الآخرة حتّى أنّ ” الأخلاّء ” ينقلبون أعداءًا يومئذ ، وكأنّ الشعور العاطفي الإنساني يتلاشى لتظهر الأنانية المطلقة في طبيعة الإنسان عند اقتراب تحديد مصيره الأعظم .

قد أضحّي في حياتي الدنيا بروحي ومالي ووقتي متجاهلاً الصوت الأناني داخلي من أجل إنسان أحبّه ، لأنّ فطرتي الحنيفية توحي لي بأخلاقيّة هذا الفعل وبأنّه لا شكّ سوف يأتي اليوم الذي أُجازى فيه عن كلّ فعل نبيل ، أمّا وقد جاء ذلك اليوم وعرفتُ أنّها فرصتي الأخيرة ، فلن يتملّكني دافع لأيّ تضحية ، بل إنّ شعورًا بالعداء والحقد سجتاحني تجاه كلّ صديق قرّبني من النهاية البائسة في النار وباعدني عن النهاية المفلحة في الجنّة ، ستتحول تلك الأيام التي تلذذنا فيها باقتسام المعاصي إلى ألم وحسرة وندم .

وعندما سأنظر يوم القيامة إلى وجوه صديقاتي في الله – وهذه كلمة ألطف بكثير من أن تجمّد في مطوية باهتة – عندما سأنظر إليهنّ سأتذكّر كم أرشدوا روحي إلى السماء ، ومنحوني معان نبيلة ، وألهموني جمالاً ودهشة روحانية ، سأتذكر تلك الأوقات التي سقطتُ فيها فأعاروني أكتافهم للاستناد وكرروا علي اسم الله كثيرا ، سأتذكر المسجد الذي صلينا وقرأنا وبكينا فيه معًا ، سأتذكر كم ملؤوا حياتي بالحب والعاطفة الراقية فتقبلوني وتقبلوا أخطائي مهما بلغ حجمها .

.

.

” العلاقات ليست أهدافًا ” .. سمعتها من الدكتور طارق السويدان منذ أعوام عديدة والآن أستعشر عمق قوله  ، الصداقات ليست أهدافًا ، وهي ليست بشيء ذي قيمة طالما أنّها لن تأخذني معك إلى الجنّة ، إذا كنت قادرة على حملي إلى السماء فافعلي ، وإذا لم تكوني قادرة فساعديني كي أحملك إليها .. أمّا إذا لم تكوني قادرة على شيء .. فوداعًا يا صديقتي .